سورة الفرقان - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


{يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (22) وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (23) أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (24) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً (29)} [الفرقان: 25/ 22- 29].
هذه أخبار تتضمن تهديدا شديدا لأهل الضلال والظلمة والمجرمين، فإن هؤلاء المشركين في مكة الذين تمنوا نزول الملائكة لا يعرفون ما قدّر الله تعالى في ذلك، فإنهم يوم يرون الملائكة لا يرونهم في حال خير، وإنما في حال شر وسوء، ولا بشرى لهم بما يفرح، وإنما تبشرهم الملائكة بالنار وغضب الجبار، ولهم الخسار ولقيا المكروه، ويومئذ لا خير ولا بشرى، ويقول الملائكة: «حجرا محجورا» أي منعا ممنوعا عليكم البشرى، أي حراما محرّما، أو يقول الكفرة المجرمون هذا القول كما تقول العرب ذلك إذا كرهوا شيئا. والراجح أن هذا من قول الملائكة لهم، يراد به: حرام محرم عليكم البشرى بالمغفرة والجنة، وبما يبشر به المتقون.
ثم أخبر الله تعالى عن إحباط أعمال الكفار، حكاية عن يوم القيامة، والمعنى:
قصدنا في بيان حكمنا وإنفاذنا إلى محاسن أعمال الكفار في الدنيا، التي هي في الحقيقة لا تزن شيئا، إذ لا نية معها، ولا ركيزة لها من الإيمان، فجعلناها مبدّدة، لا نفع فيها ولا خير، كالغبار المتناثر الذي لا جدوى معه ولا فائدة، والمراد: وصيرناها هباء منثورا، أي شيئا لا تحصيل له، ولا تعدل شيئا، لفقدانها شرط القبول: وهو الإخلاص لله، ومتابعة شرع الله عز وجل.
وفي مقابل هذه الصورة القائمة لمصير أعمال الكافرين، يخبر الله تعالى عن حال أهل الجنة المؤمنين الصالحين، فهم خير مأوى ومنزلا، وأتم استقرارا، في مكان ثابت مستقر، يعني أن مستقر أهل الجنة خير من مستقر أهل النار.
وفي خبر ثالث تضمنته الآيات يأمر الله نبيه بأن يذكر يوم تتشقق السماء عن الغمام وتتفتح عنه، ويكون الملك الحق الثابت المبين للرحمن، ويتبدل نظام الكون، وهو يوم القيامة عند انفطار السماء، ونزول الملائكة، ووقوع الجزاء بحقيقة الحساب، فتنزل الملائكة، وفي أيديهم صحائف أعمال العباد، لتكون حجة وشاهدا عليهم، ويكون ذلك اليوم شديدا على الكافرين. والغمام: سحاب رقيق أبيض جميل لم يره البشر بعد إلا ما جاء في تظليل بني إسرائيل. وذلك كما جاء في آية أخرى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ} [البقرة: 2/ 210]. وكان ذلك اليوم يوم القيامة على الكافرين يوما شديدا صعبا، لأنه يوم عدل وقضاء فصل أي محاكمة حاسمة، كما في آية أخرى: {فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)} [المدثر: 74/ 9- 10].
وفي خبر رابع، اذكر أيها الرسول يوم القيامة الذي يعض المشرك وكل ظالم على يديه ندما وحسرة، وأسفا على ما فرط في حياته، يقول: يا ليتني اتخذت مع رسول الله محمد صلّى اللّه عليه وسلّم طريقا إلى النجاة والسلامة. يا ويلتي، أي يا هلاكي احضر، فهذا أوانك، ليتني لم أتخذ فلانا الذي أضلني خليلا، أي صديقا حميما، أرداني اتباعه، وصرفني عن الهدى، وأخذ بي إلى دائرة الضلال.
لقد أضلني وحرفني عن ذكر الله والإيمان والقرآن، بعد بلوغه إلي، وكان من شأن الشيطان أن يخذل الإنسان الكافر عن الحق، ويصرفه عنه، ويدعوه إلى الباطل، ويستعمله فيه.
وآية {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ...} نزلت في عقبة بن أبي معيط، حين مال إلى الإسلام أو أسلم، لكن خليله الذي صادقة وهو أبي بن خلف قد نهاه عن الإسلام، فقبل نهيه. وأبيّ هذا قتله الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم بيده يوم أحد، فنزلت الآية في عقبة وأبيّ، فالظالم:
عقبة، وفلان: أبيّ، في قوله تعالى: {يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا (28)}.
والظاهر أن كلمة «الظالم» لفظ عام، وأن مقصد الآية تعظيم يوم، يتبرأ فيه الظالمون من خلّانهم الذين أمروهم بالظلم، وكلمة «فلان» معناه واحد من الناس، وليس من ظالم إلا وله في دنياه خليل يعينه، ويحرضه على الظلم في الأغلب.
هجر المشركين القرآن:
لقد أصيب مشركو مكة بالذعر الشديد، والاضطراب الكبير حين نزول القرآن وإعلان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم دعوته، تمسكا بهيمنتهم وسلطانهم في مكة، ولفرض نفوذهم على الحجيج وعلى القبائل العربية، وأداهم ذلك كله إلى التخبط والحيرة، فكانت ردود أفعالهم متفاوتة ومضطربة، فمرة يرفضون ما جاء به القرآن، ومرة يتأثرون ببلاغته، فينصاعون لنداءاته، ثم أدى بهم الصلف والتكبر إلى هجر القرآن كليا، ومواجهة الدعوة الإسلامية مواجهة عنيفة، وطالبوا بمطالب تعجيزية أو جعل الوحي القرآني يتنزل على وفق أهوائهم ورغباتهم دفعة واحدة حتى يروا رأيهم، فلا يكشف القرآن مواقفهم، وإنما يحبط مساعيهم في مفاجأته، ونزوله التدرجي، قال الله تعالى واصفا هذه المواقف لقريش:


{وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (31) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (32) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (33) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (34)} [الفرقان: 25/ 30- 34].
ينزعج الإنسان عادة كل الانزعاج إذا خاب ولم يحقق نجاحا في مهمته ورسالته، وكان هذا شأن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كغيره من الأنبياء، لقد بذل أقصى جهده في هداية قومه فأعرضوا عنه، واستكبروا عن قبول الحق، فشكا الرسول إلى ربه سوء أفعال قومه المشركين، قائلا في الدنيا: يا رب، إن قومي قريشا تركوا الإصغاء لهذا القرآن، ولم يؤمنوا به، وأعرضوا عن الإيمان به واتباع هديه، وهجروه وتركوا تصديقه.
وربما كما ذكر ابن زيد تكون الآية تنبيها للمؤمنين على ملازمة المصحف، وألا تكون الغبرة تعلوه في البيوت، ويشتغلون بغيره.
وجاء بعد هذه الشكوى إيناس من الله تعالى لنبيه بأن غيره من الرسل كذلك امتحن بأعداء في زمنه، فلا تحزن يا محمد، فتلك عادة الأقوام مع أنبيائهم، فكما جعلنا لك أعداء من المشركين يتقولون عليك الأباطيل، ويهجرون القرآن، جعلنا لكل نبي من الأنبياء المتقدمين أعداء من المشركين الظالمين، يدعون الناس إلى ضلالهم وكفرهم. لكن النصر والغلبة في النهاية للرسول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، لذا وعد الله تعالى نبيه بقوله: {وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً} أي اكتف بربك، فإنه هو الهادي إلى الحق، وهو الناصر على أعدائك في الدنيا والآخرة.
ثم أخبر القرآن عن شبهة أخرى لمشركي مكة، روي عن ابن عباس وغيره رضي الله عنهم أن كفار قريش قالوا في بعض معارضاتهم: لو كان هذا القرآن من عند الله تعالى، لنزل جملة واحدة كما نزلت التوراة والإنجيل، فنزلت هذه الآية: {وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً} والمعنى: إذا كنت تزعم أيها الرجل أنك رسول من عند الله، أفلا تأتينا بالقرآن جملة واحدة، كما أنزلت التوراة جملة على موسى، والإنجيل على عيسى، والزبور على داود؟! أي لو كان القرآن من عند الله حقا، فلم لم ينزل على محمد صلّى اللّه عليه وسلّم دفعة واحدة، كما أنزلت الكتب الإلهية المتقدمة؟! فأجابهم الله تعالى عن مقالتهم: لقد أنزلناه منجّما متفرقا بحسب الوقائع والمناسبات في مدى ثلاث وعشرين سنة، لتثبيت فؤاد محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، وليحفظه لكونه أميا، وليتطابق مع الأسباب المؤقتة، فيكون ذلك أدعى للإيمان به، ولدفع الحرج عن المكلفين بتكليفهم بجملة أحكام في زمن واحد، ولمراعاة مبدأ التدرج في التشريع والتناسب مع مقتضيات التربية، والانتقال من حال سيئة إلى حال أحسن بتهيئة الظروف والأجواء، وجعله مرتلا شيئا فشيئا، والترتيل: التفريق بين الشيء المتتابع.
ثم أخبر الله تعالى أن هؤلاء الكفرة في مكة لا يجيئون بمثل يضربونه على جهة المعارضة، كتمثيلهم في هذه المسألة بالتوراة والإنجيل إلا جاء القرآن بالذي هو حق، ثم هو أحسن تفسيرا، أو أفصح بيانا وتفصيلا.
ثم أوعد الله تعالى الكفار بما ينزل بهم يوم القيامة، من الحشر على وجوههم إلى النار، إذلالا وخزيا وهوانا، وأولئك الظلمة هم شر مكانا وهو جهنم، شر من أهل الجنة، وأضل سبيلا، أي طريقا عن الحق، والمقصود منه الزجر عن طريقهم ومنهجهم الخطأ، والمشي على الوجوه إما حقيقة بإقدار الله تعالى، كإقدارهم المشي على أقدامهم، أو مجاز عن سوء الحال ودفعهم دفعا إلى جهنم، من غير وعي منهم ولا احترام لهم.
التأسي بقصص الأنبياء:
يربط الوحي الإلهي أحداث الزمان بعضها ببعض، قديمها وحاضرها، لتحقيق وحدة شمولية، ومقارنة الأشياء ببعضها، والانتهاء بعدئذ إلى نظرة واحدة من خلال تشابه الوقائع. وهكذا نجد القرآن الكريم يتعرض لأحوال المشركين في مكة، ثم يعرض بعدها أحوال الأقوام السابقين، ومواقفهم مع أنبيائهم الذين أرادوا لهم الخير والإسعاد والنجاة والإنقاذ، ومصداق هذا التوجه نجده في إيراد مجموعة أخبار هنا تتعلق بالأنبياء السابقين وأقوامهم المعارضين، قال الله تعالى:


{وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (35) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (36) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (37) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (38) وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً (39) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (40)} [الفرقان: 25/ 35- 40].
هذه الآيات التي تتحدث عن أخبار الأمم الماضية هي تمثيل للمشركين العرب، وتوعد بأن يحل بهم ما حلّ بأولئك المعذبين. بدأ الله تعالى بإيراد جانب من قصة موسى عليه السلام، مفادها: تالله لقد آتينا موسى التوراة، وجعلنا معه أخاه هارون نبيا وزيرا، يؤازره ويعاونه ويناصره.
فقال الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام: { اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا} أي قلنا لهما: اذهبا إلى فرعون وقومه لتبليغ الرسالة، ومضمونها إعلان توحيد الإله، وتوحيد الربوبية. فلا إله غير الله، ولا معبود بحق سواه، وهو مفاد توحيد الألوهية، والله وحده هو الخالق المدبر الرازق، الموجّه، وهو المقصود بتوحيد الربوبية.
فلما كذب فرعون وقومه برسالة موسى وهارون، ولم يقروا بوحدانية الله تعالى وتوحيد عبادته، أهلكهم الله إهلاكا، فانظروا يا مشركي مكة عاقبة الكفر والضلال وتكذيب الرسل.
ثم أورد الله تعالى جزءا من قصة نوح عليه السلام مفادها: اذكر يا محمد لقومك ما فعله قوم نوح، حين كذبوا رسولهم نوحا عليه السلام، الذي مكث فيهم يدعوهم إلى توحيد الله تعالى، ويحذرهم من عقابه ونقمته ألف سنة إلا خمسين، فما آمن به إلا قليل، فأغرقناهم بالطوفان، وجعلناهم عبرة وعظة للناس يعتبرون بها، وأعددنا وهيأنا عذابا مؤلما في الآخرة لكل ظالم كفر بالله تعالى، ولم يؤمن برسله، وسلك سبيلهم في تكذيب الرسل. وفي هذا تهديد الكفار قريش بأنه سيصيبهم من العذاب مثلما أصاب قوم نوح.
وجاء الوحي بخبر ثالث، أمر الله نبيه بإعلان، مفاده: اذكر أيها الرسول أيضا لقومك قصة عاد الذين كذبوا رسولهم هودا عليه السلام، وقبيلة ثمود الذين كذبوا رسولهم صالحا عليه السلام، وأصحاب الرّس أي البئر: وهم قوم من عبدة الأصنام بعث الله لهم شعيبا أو غيره، فدعاهم إلى توحيد الله والإيمان به وبرسالته، فكذبوه، فخسف الله بهم الأرض، واذكر أيها الرسول أمما كثيرة بين قوم نوح وعاد وأصحاب الرسّ، لما كذّبوا الرسل، أهلكناهم جميعا، وكلا من هؤلاء الأقوام بيّنا لهم الحجج وأوضحنا لهم الأدلة، وأزلنا الأعذار والشبهات عنهم، فلم يؤمنوا، وإنما كذبوا، فأهلكناهم إهلاكا شديدا.
والقرون جمع قرن، والقرن في الأظهر: هو الأمة المتعاصرة في الزمن الواحد، وجملة {وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً} إيهام لا يعلم حقيقته إلا الله تعالى.
وقصة رابعة هي قصة قوم لوط، فلقد مرّ مشركو مكة على ديار قوم لوط، أثناء تجارتهم إلى الشام في رحلة الصيف، وبخاصة على سدوم أعظم قرى قوم لوط التي أهلكها الله بمطر السوء: وهو المصحوب بالحجارة من سجّيل (جهنم) أفلم يروا ما حل بتلك القرى من عذاب الله ونكاله، بسبب تكذيبهم رسولهم، ومخالفتهم أوامر الله؟! إنهم أي العرب يرون ذلك عيانا، ولكنهم لم يعتبروا، لأنهم لا يتوقعون النشور، أي البعث أحياء من القبور يوم القيامة، فكفرهم إنما أوجبه فساد معتقدهم في أمر الآخرة، وأنهم لا يرجون البعث، ولا يخافونه.
إن هذه الزواجر وأخبار العذاب كفيلة بردع الظالمين المشركين لو تأملوا وتفكروا واتعظوا.
استهزاء المشركين بالنبي صلّى اللّه عليه وسلّم:
على الرغم من إنذارات المشركين العرب بتعرضهم لسخط الله تبارك وتعالى، ورؤيتهم العبرة من تدمير مدينة قوم لوط، وهي سدوم بالشام، فإن هؤلاء المشركين تابعوا استهزاءهم بالنبي محمد صلّى اللّه عليه وسلّم واحتقارهم له إذا رأوه، واستبعدوا أن يبعثه الله تعالى رسولا، وأصروا على الوثنية، وتعدد الآلهة، وغالوا في ذلك حتى سموا دعوته إضلالا، وتابعوا تحذيرهم من تأثير دعوته الجديدة وآيات القرآن التي كادت تؤثر فيهم وتجرفهم إلى الإيمان، وترك عبادة الأوثان، قال الله تعالى مصوّرا هذه المواقف:

1 | 2 | 3 | 4 | 5